جيفري هينتون يُنبه بأن تعلّم الحرف اليدوية ضرورة قبل أن يستبدلكم الذكاء الاصطناعي

في زمن تتسارع فيه وتيرة تأثير الذكاء الاصطناعي على مختلف الصناعات، يُعبر جيفري هينتون، أحد مؤسسي هذا المجال، عن قلقه بشأن مستقبل وظائف الناس، يُعتبر هينتون، العالِم البريطاني الكندي، بمثابة “عراب الذكاء الاصطناعي”، وقد عاد للظهور في الأخبار للدعوة إلى مسار مهني غير متوقع يتمثل في السباكة، بعد دوره البارز في تطوير الشبكات العصبية التي تُعد أساس أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، أعرب هينتون عن مخاوفه بشأن الأمان الوظيفي في ظل انتشار الأتمتة.
خلال مشاركته في بودكاست “مذكرات رئيس تنفيذي” الذي يقدمه ستيفن بارتليت، رسم هينتون مشهدًا يجمع بين الأمل والقلق، ونصحه الراغبون في الحفاظ على وظائفهم بالابتعاد عن معسكرات البرمجة، والتفكير في مهنة السباكة، حيث قال: “الرهان الأمثل هو أن تكون سباكًا”، مضيفًا أن المهام الفيزيائية ما زالت من آخر الحصون أمام الأتمتة، وأشار إلى أن: “سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يُصبح الذكاء الاصطناعي بارعًا في التلاعب الجسدي مثلنا”.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إعداد العقود القانونية، والتنبؤ بنتائج القضايا، وحتى كتابة نصوص تسويقية بسرعة، فإنه لا يمكنه الزحف تحت الأحواض أو التعامل مع الأدوات بالشكل المطلوب، حيث تتطلب مهنة السباكة مهارات عملية، وسرعة بديهة، والاستعداد للعمل، وهي المهارات التي لا تسهل على الآلات تنفيذها.
لقد أثبتت المهن التي تتطلب جهدًا بدنيًا، مثل السباكة، والنجارة، والكهرباء، أنها أكثر صعوبة في الأتمتة مقارنة بالوظائف المكتبية، فعلى سبيل المثال، يتطلب إصلاح صنبور مسرب أو إعادة توصيل أسلاك الكهرباء تدخلًا جسديًا في بيئات غير متوقعة، وهو ما يزال يمثل تحديًا للذكاء الاصطناعي، ولهذا السبب يُعتبر هينتون أن هذه الأدوار آمنة نسبيًا في الوقت الحالي، بينما يُحذر من أن الوظائف الإدارية التي تتعلق بمعالجة البيانات، أو المهام الفكرية المتكررة، قد تكون عرضة لاستبدال الذكاء الاصطناعي لها.
وأضاف هينتون: “في مجتمع يتسم بالعدالة، يجب أن يكون الجميع في وضع أفضل، لكن إذا استطعنا استبدال الكثير من الأفراد بالذكاء الاصطناعي، فسيكون حال الذين يتم استبدالهم أسوأ”.
إلى جانب ذلك، فقد بدأت وظائف مثل المساعدين القانونيين، التي كانت تعد مستقرة في السابق، في التأثر بالفعل بتطور الذكاء الاصطناعي، حيث تُمكّن نماذج اللغة الآن من مراجعة كميات ضخمة من الوثائق القانونية، بل وصياغة مُلخصات للقضايا في وقت قياسي ودقة مذهلة، مما يُشكل تحديًا لحاجة هذه المهن للدعم البشري.
مستقبل مُقلق
عند بلغ سن السابعة والسبعين، لا يقتصر دور هينتون على تحليل التطورات فحسب، بل يتعامل أيضًا مع الأبعاد العاطفية لإرثه، حيث اعترف بأنه لا يزال يكافح مع العواقب طويلة المدى لعمله، خاصة عند التفكير في المستقبل الذي ستحمله أبناؤه وأحفاده، حيث قال: “عقليًا، يمكنك إدراك التهديد، لكن من الصعب جدًا تقبله عاطفيًا”.
في لحظة مقلقة، تخيل هينتون مستقبلًا يُمكن فيه للذكاء الاصطناعي تشغيل محطات الطاقة وغيرها من البنى التحتية بتقليل كبير من التدخل البشري، حيث أشار إلى: “إذا قرر الذكاء الاصطناعي يومًا ما أن يُسيطر، فسيحتاج إلى البشر لفترة من الوقت لتشغيل محطات الطاقة، حتى يُصمم آلات تناظرية أفضل، هناك الكثير من الطرق التي يمكنه من خلالها التخلص من البشر، وكلها ستكون بالطبع كارثية”، لم يكن يقصد الهلاك، لكنه أصر على أن الخطر حقيقي بما يكفي كي يتم التعامل معه بجدية.
بعيدًا عن مسألة من سيُستبدل، يُعبر هينتون عن قلقه إزاء من سيستفيد، ففي ظل تعزيز الذكاء الاصطناعي للإنتاجية والحد من التكاليف، قد لا تُوزع المكاسب بالتساوي، حيث أن من يمتلك التكنولوجيا هم من سيربحون أكثر، بينما قد يُكافح العمال التطهير للعثور على وظائف جديدة.
إنها ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي تحدٍ اجتماعي يتشكل الآن، ويحذر هينتون من أنه إذا لم نتحلى بالحذر، فقد تؤدي التكنولوجيا التي وُجدت لرفع مستوى البشرية إلى تفاقم الفجوات القائمة، لذا، بينما قد تتسلل الروبوتات إلى جداول بياناتك، قد ينتعش الحرفيون التقليديون، وفي عصر الذكاء الاصطناعي، قد تكون أكثر الوظائف أمانًا هي تلك المتعلقة بالعمل اليدوي، وليس تلك التي تتطلب الكتابة على اللوحات الإلكترونية.